لكي تتحقق ظاهرة ما لابد من وجود مقومـين:
1. تمامية فاعلية الفاعل. إذ الفاعل - معطي الوجود، أو معطي الحركة - لو لم يكن تام الفاعلية فلا يستطيع أن يحقق المطلوب، فالمشلول مثلاً لا يستطيع أن يصنع سريراً أو ينحت تمثالاً- مثلاً.
2. تمامية قابليهَ القابل فربما يكون الفاعل تام الفاعلية إلا أن القابل غير مؤهل لتلقي الفيض من (الفاعل)، فالرياضي القدير ربما لا يستطيع أن يُفهم الرجل البدوي الجاهل معادلات الجبر والمقابلة، لا لقلة بضاعته العلمية، إنما لضعف استعداد البدوي ومن هنا قال الشاعر:
والنجم تستصغر الأبصار رؤيته والذنب للعين لا للنجم في الصغر
واللّه سبحانة تام الفاعلية، إذ لا عجز ولا بخل ولا شح في ساحة لطفه، ولهذا فإن قدر الرحمة المفاضة يرتهن بقابلية القابل، فكلما زدنا من القابلية في ذواتنا زادت الرحمة الإلهية المفاضة علينا. وقد قال سبحانه: ((أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ))[sup]1[/sup].
وفي آية أخرى: ((إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ))[sup]2[/sup].
وفي آية ثالثة: ((وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ))[sup]3[/sup].
وقال سبحانه: ((فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ))[sup]4[/sup].
ومن هنا نجد: أن رحمة اللّه لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولآله عليهم أفضل الصلاة والسّلام أكثر ممن عداهما. وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: ((وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء)) قال (عليه السلام): "المختص بالرحمة نبي اللّه ووصيه صلوات اللّه عليهما وآلهما، إن الله خلق مئة رحمة، تسعة وتسعون رحمة عنده مذخورة لمحمد وعلي وعترتهما (عليهم السلام)، ورحمة واحدة مبسوطة على ساير الموجودين"[sup]5[/sup]. وقد ذكرت في الأحاديث الشريفة (أمور توجب الرحمة الإلهية الخاصة) نذكر منها:
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: "بذكر اللّه تستنزل الرحمة"[sup]6[/sup].
وعنه (عليه السلام): "ببذل الرحمة تستنزل الرحمة"[sup]7[/sup].
وعنه (عليه السلام): "أبلغ ما تستدر به الرحمة أن تضمر لجميع الناس الرحمة"[sup]8[/sup].
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "تعرضوا لرحمة اللّه بما أمركم به من طاعته"[sup]9[/sup] إلى غيرها من الأحاديث الكريمة.