مثلة للمباح الذي تجب فيه طاعة الوالدين
الأحكام الشرعية خمسة، حلال، وحرام، ومندوب، ومكروه، ومباح، فالمباح هو ما يجوز فعله وتركه، فمن أمثلة المباح الذي تجب فيه طاعة الوالدين ما لم يكن مانع شرعي آخر أن يطلبا منك أوأحدهما:
1. أن تسكن معهما في المنزل.
2. أن تتزوج امرأة معينة.
ومن أمثلة المندوب الذي تجب فيه طاعة الوالدين أوأحدهما، مثل:
1. النهي عن صيام يوم تطوعاً لشدة الحر مثلاً.
2. الذهاب لخلوة لحفظ القرآن الكريم كله.
ومن أمثلة الحرام الذي لا يجب فعله، والواجب الذي لا يجوز تركه ولا تجوز طاعتهما فيه ما يأتي:
1. الأمر بحلق اللحية.
2. الأمر بمصافحة الأجنبيات والدخول عليهن من الأقارب.
3. الأمر بإسبال الملابس.
4. طلب الانتماء إلى طريقـة من الطـرق الصوفيـة أوحـزب من الأحـزاب العلمـانية، سواء كان ينتمي إليها الوالدان أم لا.
5. النهي عن الذهاب إلى صلاة الجماعة إلا بسبب خوف من لصوص ليلاً، قال الحسن البصري: إذا نهته أمه عن شهود العشاء شفقة عليه فلا يطعها؛ ومن أهل العلم من قال يطيعها.
6. النهي عن الحجاب الشرعي للبنات.
7. إذا طُلب منه ممارسات شركية نحو الذهاب لزيارة رجل مبتدع أودخول قبة شيخ والخشوع والدعاء عندها مثلاً.
8. الإجبار على الدراسة في الجامعات المختلطة.
9. إذا طلب منه العمل في البنوك أوالشركات الربوية أوفي خمارة.
10. إذا طلب منه الهجرة إلى دار الكفر ولا ضرورة لذلك.
ما لا يعمل إلا بعد إذن الوالدين
أولاً: السفر لطلب علم مندوب أومباح
طلب العلم منه ما هو فرض عين26 ومنه ما هو فرض كفاية أومندوب أومباح، فالسفر لطلب العلم الواجب تعلمه لا يحتاج إلى إذن الوالدين، أما ما سوى فرض العين فلا يجوز أن يسافر له ويبتعد عن والديه إلا بإذنهما ورضاهما معاً، وكذلك الأمر لفرض العين إذا كان هو الكافل أوالملازم الوحيد، وهما أوأحدهما في حاجة إليه.
قال أبو حامد الغزالي: (وكذلك ليس لك أن تسافر في مباح أونافلة إلا بإذنهما.. والخروج لطلب العلم نفل إلا إذا كنت تطلب علم الفرض من الصلاة والصوم ولم يكن في بلدك من يعلمك، وذلك كمن يُسْلِم ابتداء في بلد ليس فيها من يعلمه شرع الإسلام فعليه الهجرة ولا يتقيد بحق الوالدين). 27
ثانياً: السفر للحج والعمرة
من كان حياً والداه أوأحدهما فلا يجوز له الذهاب والسفر إلى الحج أوالعمرة إلا بعد إذنهما.
وليس لهما أو لأحدهما أن ينهياه عن حج الفريضة إذا وجب عليه خاصة أن الراجح من قولي العلماء أن الحج يجب على الفور، ما لم يكونا في حاجة لرعايته لهما، ولم يكن لهما راعٍ غيره، هذا في حال الكبر والمرض، أما في الأحوال العادية فلا يجوز لهما أن يمنعاه عن حج الفريضة.
أما بالنسبة لحج وعمرة التطوع فلهما منع الابن عن ذلك، وله أن يرضيهما إن لم تكن بهما حاجة إليه أوكان هناك من يقوم بواجبهما.
قال أبو حامد الغزالي: (والمبادرة إلى الحج الذي هو فرض الإسلام نفل لأنه على التأخير28).29
ثالثاً: الخروج إلى الجهاد
جهاد الكفار والمنافقين بالنفس لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى من أجل القربات، وهو نوعان:
1. فرض عين واجب، وهذا لا يستأذن فيه الوالدان، وهو نوعان كذلك:
أ. إذا استنفر الإمامُ المسلمين لقتال الكفار.
ب. إذا هجم الكفار وغزوا داراً من ديار المسلمين، كما هو الحال الآن في فلسطين، وأفغانستان، والعراق، وكشمير، والشيشان، وجنوب الفلبين، وغيرها من البلاد المغصوبة، وجهاد الدفاع يكون تحت راية الإمام وغير الإمام، إذا دعا إليه ولاة الأمر من العلماء.
2. فرض كفاية، وهو جهاد الطلب، بأن يخرج المسلمون رافعين راية الجهاد تحت إمام من أئمتهم يدعون الكفار والمشركين للدخول في الإسلام، وهو الذي خاضه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام والمسلمون من بعدهم، حتى حل علينا هذا العصر الحديث الكبيس، حيث ركن المسلمون إلى الدنيا واستسلموا للكفار.
وجهاد الطلب لا يخرج إليه إلا بعد إذن الوالدين.
وجهاد الدفاع يتعين على أهل البلد الذي غلب عليه أوغزاه الكفار، فإن لم يغنوا فعلى من يليهم من المسلمين، وهكذا حتى يشمل الحكم سائر المسلمين، أما إذا استغنى أهل البلد المغزو وقاموا بالواجب فلا يجب على غيرهم.
الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة وإجماع الأمة
فمن الكتاب:
1. قوله تعالى: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم".30
2. وقوله تعالى: "انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون".31
3. وقوله: "يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم".32
ومن السنة:
1. "من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق".33
2. "أبواب الجنة تحت ظلال السيوف".34
3. "مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم، القائم، القانت بآيات الله، لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع المجاهد في سبيل الله، وتوكل الله للمجاهد في سبيل الله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة، أويرجعه سالماً مع أجر وغنيمة".35
وقد أجمعت الأمة على وجوب جهاد الدفاع وعند النفرة، وعلى ندب جهاد الطلب.
قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: "انفروا خفافاً وثقالاً.." الآية: (وذلك إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار، أوبحلوله بالعُـقر، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الديار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافاً وثقالاً، شباباً وشيوخاً، كل على قدر طاقته، من كان له أب بغير إذنه، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أومكثر، فإن عَجَزَ أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة، حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم، وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضاً الخروج إليهم، فالمسلمون كلهم يد على من سواهم، حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل بها العدو عليها، واحتل بها سقط الفرض على الآخرين.
ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلوها لزمهم أيضاً الخروج إليه، حتى يظهر دين الله، وتحمى البيضة، وتحفظ الحوزة، ويخزى العدو، ولا خلاف في هذا.
وقسم ثانٍ من واجب الجهاد، فرض أيضاً على الإمام إغزاء طائفة إلى العدو كل سنة مرة36، يخرج معهم بنفسه، أويخرج من يثق به ليدعوهم إلى الإسلام، ويرعبهم، ويكف أذاهم، ويظهر دين الله عليهم، حتى يدخلوا في الإسلام ويعطوا الجزية عن يدٍ.
ومن الجهاد أيضاً ما هو نافلة، وهو إخراج الإمام طائفة بعد طائفة، وبعث السرايا في أوقات العِزَّة وعند إمكان الفرصة، والإرصاد لهم بالرباط في موضع الخوف، وإظهار القوة).37
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: (والتحقيق أن جنس الجهاد فرض عين، إما بالقلب، وإما باللسان، وإما بالمال، وإما باليد، فعلى كل مسلم أن يجاهد بنوع من هذه الأنواع.
وأما الجهاد بالنفس ففرض كفاية38، وأما الجهاد بالمال ففي وجوبه قولان، والصحيح وجوبه.3