مقدمة
لقد اهتم الإسلام بالشباب اهتماما كبيراً، يوازي اهتمامه بفئات أخرى من أفراد المجتمع الإسلامي كالطفل، والمرأة، والمسن، والمريض الخ...وحدد لهم وضعية اجتماعية، ودينية متميزة. ومن خصائص هذا الاهتمام ربط بلوغ الشباب بمسؤوليته الدينية، وبضرورة قيامه بجميع الفروض التي فرضها الله على جميع المسلمين، إضافة إلى واجباته الأخرى تجاه أهله و نفسه وباقي أفراد المجتمع الإسلامي.
وإن تحميل الشباب المسؤولية منذ بلوغه يعني الكثير بالنسبة إليه. فهذا يعني مساواته مع باقي أفراد مجتمعه كيفما كانت الفوارق التي تميزهم عن بعضهم، حيث إنه منذ تكليفه يمكنه الصلاة في المسجد إلى جانب أي فرد مسلم مهما كان سنه، أو مركزه الاجتماعي، أو الثقافي، أو غيره، وهذا يعني أن المجتمع يقبل انتماءه إليه.
وتتكاثف مكونات التربية الإسلامية في بناء شخصية الشاب المسلم لتجعل منه فردا قادرا على الاندماج في المجتمع الإسلامي والعيش فيه، والإنتاج والابتكار وفق مؤهلاته الفكرية والجسدية، ليساهم في بناء صرح الحضارة الإسلامية.
وتضع الحياة المعاصرة ومغرياتها وما تتوفر عليه من وسائل التأثير (إعلام ـ سينما ـ تلفزيون) في طريق الشباب المسلم مشاكل وصعوبات، قد تبعد بعضهم عن الصلاح وقد تقودهم إلى الانحراف أو الاضطراب النفسي. وهذا الأمر حري بقادة المسلمين أن يتنبهوا له ويعدوا له الاستراتيجيات والبرامج الملائمة، حتى يتصدوا لهذه المشاكل بالعلاج والوقاية، ويجنبوا عددا من شباب الأمة من الضياع، وخاصة فئة الشباب التي وصلت سن التكليف، ولكنها بسبب إغراءات وعوامل مختلفة ابتعدت عن جادة الطريق، وانحرفت وتاهت بأفرادها نفوسهم في عالم الملذات والشهوات والمعاصي، حيث تتسبب ـ هذه الفئة من الشباب ـ لنفسها وللمجتمع الإسلامي في مشاكل خطيرة مثل : تعاطي المخدرات، والانحراف الأخلاقي، والسرقة والقتل وغيرها إضافة إلى خروجها عن الطريق السوي والتمرد على القيم.
والحـياة المـعاصرة بإغـراءاتها ووسـائل تأثـيرها فـي الشـباب، تخـلق مشـاكل قـد لا يكون الشباب متوفرا على الأساليب والإمكانيات الكفيلة التي تمكنه من تذليلها والتغلب عليها، وخاصة إذا تعلقت المشاكل بشخصيته وتوافقه في الحياة الاجتماعية، وبتوازنه الأخلاقي والديني.
انطلاقا من هذه القضايا والمشاكل وما يمكن أن يترتب عنها من مخاطر وأزمات، وبهدف وقاية الشباب المسلم من ذلك، جاءت بادرة إنجاز هذه الدراسة التي موضوعها مشاكـل الشبـاب فـي العالم الإسلامي.
وقبل الشروع في جمع المعلومات و تحليلها و استخلاص النتائج منها، تأتي مرحلة تعريف المفاهيم و صياغة مختلف التساؤلات. فما هي مفاهيم هذه الدراسة ؟ و ما هي التساؤلات التي تطرحها ؟
1. مفاهيم هذه الدراسة ودلالاتها الإجرائية :
في هذه المقدمة لابد من التساؤل حول الدلالات الإجرائية للمفاهيم الرئيسية التي تنبني عليها هذه الدراسة وهي :
1 .1. الشباب في العالم الإسلامي.
1 . 2 . المشاكل.
1 . 3. مشاكل الشباب في العالم الإسلامي.
1.1. الشباب في العالم الإسلامي :
للوصول إلى الدلالة الإجرائية لهذا المفهوم، لابد من تعريف المفهومين الفرعيين الآتيين :
أ) الشباب.
ب) العالم الإسلامي.
أ) ماذا يقصد بالشباب ؟
يستعمل مفهوم "شباب"(1) (ج. شاب) وبالغ ومراهق للدلالة على نفس المدلول. فحين نقول فلان شاب أو بالغ مراهق فهذا يعني أنه شخص وصل إلى فترة عمر تقوده من نهاية الطفولة إلى بداية سن الرشد. فالمراهقة هي مجموعة التغيرات الجسدية والنفسية التي تحدث بين مرحلة الطفولة وسن الرشد. والبلوغ يرتكز على الجانب الحيوي للمراهق وعلى الخصوص ظهور علامات نضج الجسد والعقل. والشباب هو المظهر الاجتماعي للمراهقة، ويعرف بكونه فترة النمو التي يتمكن فيها الكائن من كل وسائله وإمكانياته.
وقد شاع عند علماء الإسلام و الأطباء استعمال مفهوم "بلوغ"، وشاع عند علماء النفس استعمال مفهوم "مراهقة"، بينما انتشر تداول مفهوم "شباب" بين علماء الاجتماع والأخلاق. وإن حاجة الباحثين لدراسة علمية موضوعية للشباب تستوفي شروط المعرفة العلمية، أدت إلى ظهور علم جديد متخصص هو "علم الشباب"(2)، وهو فرع المعرفة الذي يدرس الشباب من الناحية النفسية والحيوية والاجتماعية، ويحاول فهم وتفسير مختلف التغيرات والتطورات والمشاكل التي قد تعترض الشباب في طريقه نحو الرشد والاكتمال.
المراهقة لغة(4-3) تفيد الاقتراب والدنو من الحلم يقال : رهق إذا غشي أو لحق ودنا، فراهق كقارب و شارف ودنا ومعنى المراهق بهذا المعنى هو الفتى الذي يدنو من الحلم واكتمال الرشد.
والمراهقة هي الاقتراب المتدرج من النضج، وتبدأ المراهقة بالبلوغ ومعناها العلمي هو بدء ظهور التغيرات العضوية الوظيفية (الفيزيولوجية). وتبدأ المراهقة بين (13-11) سنة من العمر لدى البنات، وعند البنين ما بين (14-12) سنة. وتمتد مع البنات إلى 19 سنة تقريبا، أما لدى البنين فإنها تمتد إلى حوالي 18 سنة أو 19 سنة.
ويتأثر ابتداء البلوغ بعدة عوامل : فعامل في التركيب الجسدي العام وما يتصل به من صحة أو مرض ووفرة الغذاء أو قلته، كما أن المراهقة فترة تخضع في تحديد بدئها لعوامل مناخية إقليمية ، ففي المناطق الباردة تبدأ في (16-15) سنة من العمر، وفي المناطق المعتدلة في حوالي (13-12) سنة، وأما في المناطق الحارة والاستوائية فهي في (12-9) سنة على العمـوم ، والبنات يبلغن سن النضج الجسمي عموما قبل البـنين، فالـبنت الـعادية فـي المنـاطق المعـتدلة الشـمالية تبلغ الطمث الأول في سن (14-12) أما البنون فيبلغون مرحلة البلوغ الجنسي في سن (16-14) من العمر.
تعتبر المراهقة ولادة جديدة للفرد في الحياة الاجتماعية، فالطفل يرى أن الحياة أو المجتمع متعة وجمال، يعيش فيها في كنف غيره ورعاية سواه. أما المراهق فينظر إلى الحياة الاجتماعية نظرة جديدة، فيرى ما فيها من جد وهزل وقسوة وحلاوة، ويتحمل فيها نصيبا من الأعباء والمسؤوليات.
المراهقة نقطة بارزة في تكوين الشخصية وتحديد مقوماتها، وتبتدئ في الجانب الحيوي للشخصية وتنتهي في الجانب الثقافي.
نقصد بمفهوم "شباب" في هذه الدراسة ذلك الشباب الذي وصل سن البلوغ الجسدي واكتسب القدرات والإمكانيات النفسية اللازمة، أي من 14 إلى 25 سنة، لأنها تقع بين الطفولة وسن الرشد التي هي فترة تأكيد الذات بالنسبة للشباب وتشمل المراهقة والبلوغ.
ب) العالم الإسلامي :
ويقصد بالعالم الإسلامي في هذه الدراسة جميع الدول والمجتمعات الواقعة في مختلف القارات والتي تدين بدين الإسلام.
وبناء على ما سبق فإن مفهوم "الشباب في العالم الإسلامي" يقصد به كل فئة الأفراد الذين وصلوا مرحلة العمر بين 14 و 25 سنة ذكورا وإناثا وينتمون إلى البلدان والمجتمعات الإسلامية.
1. 2. مشاكـل :
إن مفهوم "مشاكل" ليس مرادفا لمفاهيم مثل مرض أو اضطراب أو اختلال أو إعاقة أو غيره من المفاهيم التي تدل على الحالات التي تستدعي استشارة الطبيب النفسي، ولكن يقصد بها ما يرتبط بمرحلة ما من الحياة أو يكون مرتبطا بوضعية اجتماعية، ويستعمل هذا المفهوم في الحالات التي لا تتطلب الفحص والعلاج النفسي، حيث يكون المشكل مرتبطا بعدد من الظروف وظاهريا لا تكون نتيجة لاضطراب سلوكي، مثال ذلك : مشاكل الوصول إلى الاستقلال عن الوسط العائلي، مشاكل الاستقلال الاقتصادي لدى الشباب، مشاكل العلاقات الاجتماعية ...الخ(5).
وبعبارة أخرى إن : >المشاكل وضعيات لا يتوفر الفرد أمامها على سلوكات ملائمة قابلة للتحرك الفوري لمواجهتها. ومن هنا جاءت أهمية هذا المفهوم في علم النفس المعرفي، حيث يستعمل تعبير حل المشاكل للدلالة على الأساليب والطرق التي يمكن للأفراد استعمالها لمواجهة المشاكل المختلفة التي تعترضهم في مختلف وضعيات الحياة<(6).
وفي هذه الدراسة نقصد بمفهوم "مشاكل" تلك الوضعيات التي لا يتوفر الشباب على سلوكات ملائمة قابلة للتحرك الفوري لمواجهتها مثل : مشكل الانحراف السلوكي، ومشكل العمل وغيرهما.
1. 3. مشاكل الشباب في العالم الإسلامي :
ومشاكل الشباب التي تهمنا في هذه الدراسة تتعلق أساسا بمشاكل وصعوبات تواجه الشباب، فتقوده إلى رفض ونكران كل مكونات المجتمع من معتقدات وقيم وعادات ومؤسسات، والإصرار على عدم الاعتراف بها وبمتطلباتها وبالسلوكات التي تصف أهميتها وجدواها لضمان تماسك المجتمع.
كما تهمنا على الخصوص مشاكل الشباب في العالم الإسلامي، التي تنتج عن الصعوبة التي يجدها الشباب في الاستجابة للحاجات الأساسية التي ينبني عليها اكتمال نضجهم وبلوغهم سن الرشد، سواء منها ما يتعلق بأمنهم وراحتهم وحريتهم وهويتهم، والتي يؤدي إشباعها بكيفية صحيحة إلى حصول نضج في جوانب الشخصية الآتية : نضج ديني، و فكري، وانفعالي، وجسدي وغريزي، وأسري، واجتماعي، واقتصادي، ومعرفة استغلال وقت الفراغ.
2. تساؤلات الدراسة وفروضها :
2. 1. لقد تضمنت هذه الدراسة تساؤلات وإجابات افتراضية بهدف تحديد المسار المنهجي الذي يجب أن تسير عليه، وهذه التساؤلات تلخص كالآتي :
2. 1. 1. ما هي الحاجات الأساسية التي يؤدي عدم إشباعها بكيفية صحيحة إلى حدوث مشاكل لدى الشباب في العالم الإسلامي ؟
2. 1. 2. ما هي المشاكل التي تصادف الشباب في العالم الإسلامي ؟
2.1.3. كيف يمكن علاج مشاكل الشباب في العالم الإسلامي ؟ وكيف يمكن الوقاية من هذه المشاكل ؟
2. 2. والفروض التي اعتمدتها هذه الدراسة هي كالآتي :
2. 2. 1. الحاجات الأساسية التي يؤدي عدم إشباعها بكيفية صحيحة إلى حدوث مشاكل لدى الشباب في العالم الإسلامي، هي تلك الحاجات المرتبطة بالأمن الفردي والجماعي، والمعافاة البدنية والنفسية والبيئية، والحرية، والهوية.
2. 2. 2. مشاكل الشباب في العالم الإسلامي التي تبعده عن مرحلة الرشد تتعلق بمدى نضجه الانفعالي، ورشده الفكري، وقدرته على الاستقلال الاقتصادي، واكتساب تعاليم الدين وفلسفة الحياة، ومعرفة استعمال وقت الفراغ، والقدرة على الاستقلال عن الأسرة والنضج الاجتماعي.
2. 2. 3. علاج مشاكل الشباب في العالم الإسلامي يمكن أن يكون بكيفية مباشرة يراعي تعقد وتشابك هذه المشاكل مع عوامل نفسية واجتماعية أخرى، وبكيفية غير مباشرة يمكن الوقاية من هذه المشاكل.
3. المنهج وإجراءات الدراسة :
عينة الدراسة :
لقد تم اختيار عينة الدراسة بكيفية جعلتها أوسع ما يمكن حتى يمكن تعميم نتائجها، حيث جمعت معطيات عن دول ومجتمعات إسلامية.
المنهج الذي أجريت به هذه الدراسة هو المنهج الو صفي التحليلي الذي اعتمد على دراسات و بحوث متخصصة في :
1. قضايا السكان بصفة عامة وقضايا الشباب بصفة خاصة الصادرة عن المنظمات الدولية والمؤسسات الجامعية العليا.
2. الثقافة الإسلامية التي تنبني على الكتاب والسنة.
3. الدراسة النفسية للشباب والمراهقين ومشاكلهم وحاجاتهم.
و ذلك بقصد استخراج المعطيات الإحصائية و النوعية المتعلقة بمفاهيم وتساؤلات هذه الدراسة التي سترتكز على المحاور التالية :
* الشباب في العالم الإسلامي ومظاهر تغيره : نموه الجسدي والنفسي والاجتماعي. الحاجات الأساسية للشباب في العالم الإسلامي ، ومدى تزايد عدد الشباب في العالم الإسلامي.
* مشاكل الشباب في العالم الإسلامي : الأمن والمعافاة والحرية والهوية.
* الوقاية من مشاكل الشباب في العالم الإسلامي وعلاجها.