العصر الحديث
في يونيو عام 1916 اندلعت الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين بن علي حاكم مكة ضد الدولة العثمانية التي تسيطر على الحجاز وبمساعدة من بريطانيا وذلك أثناء الحرب العالمية الأولى، وتمكن أفراد القبائل الذين انضموا إلى الثورة من تفجير خط سكة حديد الحجاز بمساعدة ضابط المخابرات البريطاني إدوارد لورنس،
وبهذا منعوا وصول الدعم العثماني إلى الحجاز، وانتهت هذه الحركة بطرد
الجيش العثماني من الحجاز، بعد ذلك أعلن الشريف حسين بن علي عن قيام مملكة الحجاز. واستمرت هذه المملكة قائمة حتى دخل الملك عبد العزيز آل سعود مكة في 17 ربيع الأول 1343هـ (16 أكتوبر 1924) مع جيشه وجيوش حلفائه من الإخوان بقيادة فيصل الدويش أمير قبيلة مطير من نجد، وذلك بعد انتصارهم على جيش الشريف حسين بن علي، وهرب الشريف حسين بعد ذلك إلى جدة ومنها إلى العقبة التي يحكمها ولده عبد الله الأول بن الحسين، بعد ذلك تولى الشريف علي بن الحسين حكم مكة لفترة استمرت عاماً واحداً، ثم هرب إلى العراق، وتم تعيين الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز آل سعود كأول أمير على مكة من أسرة آل سعود.
اهتم القادة السعوديون منذ عهد الملك عبد العزيز وحتى الآن بتطوير مكة وتوسعة وتحسين المسجد الحرام، فتمت توسعة المسجد في عهد الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود عام 1375هـ (1955م) ثم في عهد الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود،
ونتجت عن هذه التوسعة زيادة الأماكن المخصصة للمصلين من 50 ألف مصل إلى
300 ألف مصل، واستغرق إنجاز هذه التوسعة حوالي عشر سنوات. مرت مكة في العصر
الحديث بالعديد من الأحداث البارزة مثل حادثة الحرم المكي حيث قام أحد الأشخاص يدعى جهيمان العتيبي باقتحام المسجد الحرام في 1 محرم 1400هـ (20 نوفمبر 1979م)،
ومعه 200 مسلح في محاولة منهم لقلب نظام الحكم في السعودية، وسيطر
المسلحون على إذاعة المسجد الداخلية وتحصنوا في المآذن وأغلقوا أبواب
الحرم، واستمر الحصار لمدة أسبوعين كاملين حتى اقتحمت قوات الأمن السعودية
المسجد الحرام في 14 محرم 1400هـ (4 ديسمبر 1979) بمساعدة فرقة قوات خاصة باكستانية وفريق استشاري فرنسي، وتم استعادة السيطرة على المسجد، وأسفرت حصيلة العمليات عن مقتل 255 شخصاً وإصابة ما يقارب 560 آخرين.
لم يكن استيلاء جهيمان وجماعته على المسجد الحرام الحادث البارز الوحيد في تاريخ مكة الحديث، ففي 31 يوليو 1987 قام بعض الحجاج الإيرانيين بمظاهرات عارمة أثناء موسم الحج منددة بالولايات المتحدة عرفت بأحداث مكة 1987،
وقاموا بسد الطرقات وإحراق السيارات ومنع الحجاج الآخرين والأهالي من
الذهاب إلى وجهاتهم، فحاول بعض الحجاج التدخل لتهدئة الإيرانيين وفض
المظاهرات لكنهم رفضوا هذه المطالب، ثم بدأ المتظاهرين في التوجه إلى
المسجد الحرام رافعين شعارات الثورة الإسلامية في إيران وصور مرشدها العام آية الله الخميني، فتدخلت قوات الأمن السعودية لإنهاء تلك التظاهرات، وأسفرت هذه المواجهات بين قوات الأمن السعودية والمتظاهرين الإيرانيين عن مقتل 402 شخصاً (275 من الحجاج الإيرانيين، 85 من السعوديين، 45 حاجاً من بلدان أخرى)، وعن إصابة 649 شخصاً (303 من الحجاج الإيرانيين، 145 من السعوديين، 201 حاجاً من بلدان أخرى).