الثقافة علاقة اجتماعية مرتبطة عضويا بكل قوى الحياة التي تنتج تاريخ نمو المجتمع وتطوره المادي والفكري وليست مجموعة جاهزة من الافكار والعادات والمشاعر أي إننا لن نتحدث هنا عن الثقافة بمعناها الأدبي الخاص الذي يذكرنا بالنشاط الفكري والعلمي الذي تقوم به النخبة المتعلمة، ولكن عن الثقافة بمعناها الاجتماعي، أي عن الثقافة بما هي تجسيد للجانب الاجتماعي المشترك من سلوك الإنسان واستجاباته لمختلف المواقف التي تعترض له في الحياة.
والثقافة الامازيغية هي مجموع ارث الانسان الامازيغي بارضه "تامزغا" بمجموع دول شمال افريقيا ودول الصحراء الكبرى من واحات سيوة بالغرب المصري الى جزر الكناري بالمحيط الاطلنتيكي ومن البحر الابيض المتوسط شمالا الى اعماق الصحراء الكبرى، واينما ذهب هذاالانسان الامازيغي وارتحل بمناطق اخرى (الشتات). واثناء البحث في طبيعة التشكل الثقافي لدى عموم الامازيغ تتبين لنا سمات الثقافة الامازيغية والمحتواة في العادات والتقاليد الاجتماعية والفنون بمختلف اشكالها وانواعها،كالرقص والغناء ،و زخارف واشكال المعمار والنسيج والحناء ، وكذا الاداب الشفوية من حكايات وامثال وحكم وشعر،بالاضافة الى اللغة نفسها وهي عبارة عن سلسلة من الافكار والمفاهيم المحددة ،وليست مجموعة من الكلمات القواعدية الخالية من المحتوى،وما تنفرد به من مميزات معجمية وصرفية ونحوية واشتقاقية . وقد توارث الامازيغ هذه الثقافة عن اجدادهم الاوائل منذ الاف السنين كما اشتهروا بمقاومتهم لكل الشعوب الغازية لوطنهم "تامازغا"والطامعة في احتلالها مستعملين في ذلك وسائل مختلفة وأشكال نضالية متنوعة، مما ساعد في الحفاظ على ثقافتهم وهويتهم وحضاريتهم بكل خصوصياتها ومقوماتها كما احتكوا بالثقافات العالمية احتكاكا سلميا فأثرو فيها وتأثروا بها دون الانسلاخ عن ثقافتهم الاصيلة .
وقد كان للشعر الأمازيغي حضور بارز في هذه المقاومة، ووظف الشعراء والشاعرات الأمازيغ أغراضا شعرية متنوعة من مدح للمقاومين ورثاء للشهداء وهجاء للغزاة مستعملين صيغا بلاغية رائعة قصدها الاعتزاز والافتخار بالمقاومين وبطولاتهم في التصدي للغزاة.
* الشعر الامازيغي المقاوم بالجنوب المغربي
وشعر المقاومة عبارة عن أناشيد نابعة من إحساس بالحرية واعتزاز بالنفس والرفض للعبودية والذل، وصادرة من حناجر شاعرات وشعراء نشأوا في بيئة أمازيغية ألفت الحرية وكرهت العبودية والاستغلال، وتكن العداء لكل غاز أجنبي ظالم منذ القدم، إذ احتفظت الذاكرة الأمازيغية على تصرفات الغزاة السيئة المتصفة بالقهر والقساوة، بدءا بالرومان والوندال فالبزنطيين وانتهاء بالبرتغال والاسبان ثم الفرنسيين .
وسأحاول في مداخلتي هذه أن أستحضر جوانب من تاريخ هذه المقاومة وما واكبها من أشعار حماسية تحث على قتال المستعمرين الدخلاء ببسالة وتدعو المقاومين إلى الاعتزاز بوطنهم وإلى رفض جميع أنواع الخضوع. "فحين يشن محمد بن عبد الكريم الخطابي، وأبطال الريف، حربا كاسحة على الاستعمار الاسباني... تهتز المشاعر بهده الحرب التحريرية، وينفجر الشعراء بالدعوة لمؤازرة البطل الريفي، منقذ الأمة من الاحتلال... لكن الشعر الذي واكب هذه الحرب شعر ضاع أكثره فلا نعرف منه غير مقطوعات قليلة، وأناشيد وقصائد يشار إلى بيت فيها أو بيتين ثم لا نجد للباقي أثرا" (إبراهيم السولامي،الشعر الوطني المغربي في عهد الحماية، دار الثقافة 1974) مع علمنا بأن "جيل المغاربة الأطلسيين الذين أبلوا البلاء الحسن في تلك المواجهة أو عاصروها على الأقل،قد انقرض أو كاد، ويخشى أن يكون الأوان قد فات على من يريد أن يستشهد بما علق بأذهانهم من روايات للأحداث في تسلسلها وتفاعل بعضها مع البعض، ومن حسن الحظ أن بعض أصداء هذه المواجهات والمعارك ظلت حية متجاوبة في الشعر الأمازيغي أو على الأقل في ما يزال يروى منه وما قدر له أن يكتب مع أن الشعر الأمازيغي لم يكتب منه ولم يحفظ إلا الشيء القليل" (مرجع سابق ص:73).
وقد تزعم حركة المقاومة بالجنوب المغربي زعامات محلية من أبرزها القائدان المدني والناجم الاخصاصيان مما دفع بشاعرة من قبيلة لخصاص تشيد بشجاعة هذين القائدين واللذين وقفا سدا منيعا أمام زحف القوات الفرنسية وعملائها إلى الجنوب المغربي فقالت:
Igulla Utiyut alahkamns asar aghd lkmn
Igullu Lqayd Lmadani d Lqayd Najm amqqar duryagr
Amqar tadgalin gh Iffus alahkam n Utiyut uraghd lkkmn
ووصفت شاعرة أخرى شجاعة وقوة القائد الناجم، هذا الأخير الذي تولى مناصب هامة في الجيش ألمخزني في أواخر القرن التاسع عشر وبداية العشرين حيث حارب الثائر الجيلاني الزر هوني المشهور ببوحمارة ثم شارك في المقاومة بالريف ضد الأسبان إلى جانب أحمد الريسوني لينضم في الأخير إلى صفوف مقاومي الجنوب المغربي بعد انهزام أحمد الهيبة ومن معه بسيدي بوعثمان، فقالت مشبهة إياه بأحد قادة جيش البخاري الاسماعيلي في قوته وخبرته بالأسلحة إضافة إلى سمرة بشرته:
Ghiklli itubdir sudan slfàal ula cuf
Aitubdir lqayd Najm s lbarud
واستمرت الشاعرات الأمازيغيات في تشجيع المقاومين وحثهم على القتال والاستماتة في التصدي للغزاة عند كل هجوم أو إغارة عليهم فقالت إحداهن:
Addat i znad tasm dagh tasa a ifrxan
Iggi uwrumi a dagh fllawn àaqqln
كما وصفت شاعرة أخرى بسالة أمغار مبارك اشاعود أخصاصي الذي استشهد في إحدى المعارك بدير مرغت حين أبلى البلاء الحسن وقهر جيوش عملاء الفرنسيين فقالت:
Ayan izran cajià walli muttinin
A bara umuhmad atn arbbi trhamt
Issuda isan igud isan immigh ukan
Mn dir nd buhmmad ar talat ntidaf
وفي هذه الحملة للجيوش العميلة للفرنسيين على تخوم الأطلس الصغير بقرب ميرغت طلبت إحدى شاعرات العدو من نساء لخصاص أن يخرجن الهدايا والذبائح استعدادا للاستسلام لكن الشاعرة الأخصاصية ردت عليها بأبيات هجائية لاذعة معتزة بالمقاومين الذين لا يرضون الذل والخضوع فقالت:
Agid ahlays i babam an tawit ilumas
Amma tumzin d uudi ullap ur tntin ittawi mam
واستمرت الشاعرة في هجائها للعملاء ووصفتهم بالجبن والخوف لأنهم قدمو أرضهم للمستعمر دون مقاومة وصاروا أداة في يده ضد إخوانهم فقالت:
Ihugga ayudayn atimalliwin
Adukan sllin ibuk utn s uàlluc
ووصفت الشاعرة إحدى المعارك التي قاتل فيها المقاومون ببسالة وكادوا يهزمون فقالت:
Ammas ntmi nthandawst ar mu akfaf
Agha ttarn ipmazn d txusa d iskmas
بينما أبانت عن شجاعة المقاومين سكان لخصاص الذين لن يقبلوا بتقديم أرضهم للمعمر، على طبق من ذهب، إلا بعد استشهادهم في سبيلها، فقالت:
Axsasi ar iharg lahrum ur llin
Ar katn ar syigisn aylligh rmin
وتابعت مدحها للمقاومين أثناء مرور سرية من جيوش المقاومين بأرض إحدى القبائل العميلة والحليفة للفرنسين بازغار نتزنيت فقالت
Rbbi d irgazn d tizza nranin asmmid
As nkka lmakanad ur tnkki slhurum
وأظهرت فرحتها بعد تجاوز المقاومين لخلافاتهم الداخلية وتوحدهم ضد الفرنسيين فقالت :
Ur yid urrin idamn aylli gh nan
Pan lqyud iga wawal nsn yan
وتحدثت عن تماسك حلف المقاومين المعروفين ب"ءيكيزولن" فأنشدت:
Irrut unrar igizuln ayusin alim
Ula tumzin rbbi adasn issufan awal
ومدحت أخرى المقاومين وقادتهم وطلبت من النساء الاطمئنان وعدم الخوف لأنهن في حمى قائد بطل مقاوم يدافع عنهن والاهتمام بزينتهن ولباسهن فقالت:
Inna yawnt lqayd atixsasyin
Slyamt lhana d lhrir pati slagh
Imic ihma tamazirt urtin ik lxuf
ومدحت أخرى هذا المقاوم على حسن قيادته للمقاومين وحنكته ودهائه فقالت:
Iqqim ulmuggar iql srk
Lmadani ayas tamrt ayifud
كما مدحن زوجة المقاوم المدني أخت المقاوم مبارك ابنيران من قبيلة ايمجاض لكون كلمتها مسموعة ولمساعدة زوجها في المشورة كلما اقتضت الضرورة فقالت الشاعرة:
Lqayd atamjjudt ar isnfisil
Imma tiqbilin rdantak awal nm
وحين ذاع خبر وفاة هدا المقاوم الباسل يوم13 يناير 1934 سارعت الشاعرات إلى رثائه فقالت إحداهن:
Alghbint atagudi n ghaslli gh nan
Lmadani uhmad asiyatin alàmum
Ghassan anfrk iwadif ghixsan ar ittar
وطلبت شاعرة من سكان لخصاص الحداد على زعيمهم المقاوم لمدة طويلة فقالت:
Ilazmkn a LXSAS abdda tllam
Ligh itri liganin tifawt idrd
وبعد وفاة زعيم المقاومين هذا حشد الجنرال الفرنسي "هوري" قوات ضخمة" تعدادها 25 الف جندي نظامي و1700 كومي و16 الف من برطيزة مسلحة بعتاد هائل من مدفعية ودبابات وطيران تحت قيادة ميدانية للجنرالين "كاترو" و"جيرو"، إذ هاجمت قوات "كاترو" جبهة بويزكارن شمالا حيث قاوم ايت باعمران ولخصاص، وقوات "جيرو" على الجبهة الجنوبية، فاحتلت قصري ايشت وفم الحصن في25فبراير1934" (huré,G.A,la pacification du Maroc, paris,1952,p:181 ) . واستسلم المقاومون بعد قنبلة بويزكارن بالطائرات وقسمت فرنسا وYسبانيا الأطلس الصغير فاحتلت اسبانيا ايت باعمران بينما احتلت فرنسا لخصاص وجميع القبائل شرقها وجنوبها إلى وادي درعة وعيت بها ضباطا قساة حكاما لمكاتب الشؤون الأهلية أمثال "اوجين ميكل" حاكم مكتب بويزكارن الذي إذاق الساكنة مرارة الاستعمار بتشغيلهم في أعمال السخرة لشق الطرقات واستصلاح الأراضي. وقد عملت الشاعرات على نقد سياسة الاستعمار وتوعية السكان ودعوتهم إلى التمرد حيث رفضت مجاراة الفرنسيين المعمرين وترك الجنة إذا دخلها المعمر فقالت:
Igh illa urumi gh ljant rasta k nffagh
Igh illa gh tmzgida n nkrak tazallit
ووصفت أخرى معاناة الشباب من كثرة الأعمال الشاقة فقالت:
Axuti lstiàmar igayagh taqqayt
Nsi izikr ar njbud àlayn mutgh
Pa canti tuckad dagh ayàyaln
Walayni tghrad urawn lint
Kucmnt kullu tdudin iyàyaln
S lbbinsa d uglzzim iyrumin
وهجت الشاعرة العملاء والخونة والذين عينهم مساعدين له في تسيير شؤون الأهالي فقالت:
Axabx aylli jjun tiwit atalat
Yurrid ghila ig itxasit tighmrin
Yurrid ghilad ig amghar ar isawal
وتأسفت إحداهن على مجاراة المستعمر وعلى عدم قدرتها على تناول الطعام من مرارة الاحتلال فقالت:
Manik nctta aggurn manik nssa aman
Ligh irumin iggi laxsas agh lan
ودافعت شاعرة عن أرضها بلسانها حين حاول أحد أعوان المستعمر انتزاعه منها فقالت:
Inkrd urumi ghassad irin ayyi nakrn
Ullap ard nigh ghzzigh inigh urigh
Ult lasl adgigh awad iran ayyi nakrn
وعندما نشطت خلايا الحركة الوطنية وجيش التحرير وقضت مضجع المعمرين قالت الشاعرة الأمازيغية:
Ah ayrumin nssa yawn tagrtilt n fuqs
Ihrmawn rbbi tagana ula rraht
واستمرت الشاعرة الأمازيغية بالجنوب تقاوم بلسانها حتى خروج المستعمرين الفرنسي والاسباني من الوطن معتزة ومفتخرة بالأبطال الذين استرخصوا أرواحهم في سبيل عزة الوطن.