دراسة للأمم المتحدة تحث السلطات الأردنية على عدم التقاعس عن معالجة انتشار المخدرات بين الطلبة بالبرامج التربوية والتوعوية.
أثارت دراسة نشرها مكتب هيئة الأمم المتحدة الخاصة بالجريمة والمخدرات حول وضع المدارس الحكومية الأردنية، قلقا لدى المسؤولين وأولياء الأمور في البلاد.
وأشارت الدراسة إلى أن هناك نموا في أعداد الطلاب من الجنسين، الذين يتعاطون الكحول والمخدرات، بالرغم من أن النسب مازالت متدنية. وقد شارك في إعداد الدراسة المذكورة خبراء من وزارتي التربية والصحة في الأردن لصالح المؤسسة الأممية.
وحثت الدراسة المسؤولين والمصالح المختصة في الأردن على إعداد خطط علمية ومنهجية محدثة لتوعية الطلبة وذويهم بخطورة تعاطي المخدرات والكحول، وقد شدد الخبراء في دراستهم التي بلغ حجم عيّنتها 2471 طالبا وطالبة في 26 مدرسة حكومية، تراوحت أعمارهم بين 11 و16 عاما، على أهمية "عدم التقاعس في تحضير هذه البرامج تفاديا لتفاقم المشكلة مستقبلا بين الطلبة".
واتبعت الدراسة المنهج الوصفي من خلال توزيع استبانة على طلبة المدارس ضمن الفئة المستهدفة للصفوف الأساسية، إذ بلغت نسبة مشاركة الإناث في الدراسة 56 بالمائة مقابل 44 بالمائة للذكور.
وتصدر تعاطي الحبوب المهدئة المرتبة الأولى بين الطلبة، إذ أفاد ما نسبته 2.4 في المائة من العينة بأنهم يتناولون حبوبا مهدئة. وكان اللافت أن حجم انتشار هذه الآفة بين الطالبات أعلى من الطلبة الذكور، بحسب نتائج الدراسة.
واحتل تناول الكحول المرتبة الثانية، إذ بلغت نسبة الطلبة المتعاطين للكحول 2.3 في المائة منهم 42 طالبا و15 طالبة.
ورصدت الدراسة "انتشار استنشاق المواد المخدرة والطيارة (المواد التي تتحول إلى غازات) بين 55 طالبا بنسبة 2.2 في المائة" من العينة، وتساوت فيها نسبة التعاطي بين الإناث والذكور.
في المقابل، وصلت نسبة تعاطي المخدرات إلى أكثر من 1.5 في المائة بشكل عام بين صفوف الطلاب والطالبات يتعاطون مواد أخرى من دون أن تحددها.
وقد أقر مدير المركز الوطني لتأهيل المدمنين التابع لوزارة الصحة جمال العناني بأن "الأردن يواجه مشكلة تعاطي المواد المؤثرة عقليا" وخصوصا لدى الفئة المنتجة في المجتمع، أي أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و45 عاما.
وبين العناني أنه "ظهرت مؤشرات في بداية التسعينات تدل على ضرورة التصدي لمشكلة الإدمان منها ظهور حالات وفاة بجرعات زائدة بين الشباب الأردنيين، وزيادة مراجعي العيادات التابعة للمراكز النفسية في القطاعين العام والخاص وزيادة كمية المخدرات المضبوطة من قبل إدارة مكافحة المخدرات".
واعتبر عدنان بدران رئيس الوزراء الأردني السابق أن تلك المشكلات تعتبر واحدة من تحديات الانفتاح على الغرب، مؤكدا على أن قيم وعادات الأسرة الأردنية ترفض تلك الممارسات رفضا قاطعا.
وقال بدران في معرض تعليقه على الدراسة إنه "يجب أن نعترف أن هنالك تقصيرا في النشاطات المرافقة للمجال الأكاديمي في الأردن، ونقص في جدولة البرامج التربوية"، معتبراً أن وجود مليون ونصف طالب على مقاعد الدراسة المختلفة المراحل هو "عبء كبير"، مستدركاً أن النسبة التي أشارت لها الدراسة "ليست مرعبة (…) إلا أنه وجب الاهتمام بها كي لا تتفاقم".
وشدد بدران، الذي يعتبر واحدا من أبرز الشخصيات الأكاديمية في البلاد، على أهمية إعادة صياغة البرامج التربوية بحيث تتناول الطفل منذ مراحل الدراسة الأولى حتى تلك التي تسبق المدرسة، ويتم "التركيز على برامج القدوة الحسنة"، معتبراً أنه يجب النظر "بجدية في الأسلوب التربوي المتبع ويتم تنميته وتطويره".
وناشد بدران الأسرة التربوية في الأردن أن ترعى المراحل التعليمية منذ الطفولة إلى مرحلة الدراسات العليا "لصياغة إنسان متطور عصري له رؤى مستقبلية" الأمر الذي يخفف من حدة تفاقم مشكلة المخدرات والكحول، وفق رأيه.
من جهته، بين مدير التعليم العام في وزارة التربية والتعليم محمد العكور أن الوزارة "ليست معنية بالطلاب خارج حدود المدرسة"، معتبراً أن ما يهمها "سلوك الطالب داخل المدرسة فقط" في إشارة منه إلى الدور الذي يجب أن تلعبه الأسرة في هذا المجال. وأوضح أن الوزارة تحاول من خلال التعاون مع مديرية مكافحة المخدرات التابعة لمديرية الأمن العام إعداد برامج وقائية ورصد حالات إدمان داخل أسوار المدرسة أثناء الدوام الرسمي.
إلا أن الخبير الاجتماعي سري ناصر أرجع تفاقم مشكلة المخدرات والكحول في المدارس الحكومية إلى تنامي حالات الفقر داخل المجتمع الأردني، مشيرا أن "الشاب المراهق عندما لا يجد المال الكافي الذي يستطيع من خلاله مواكبة العصر (…) فينخرط بعمليات إجرامية" لتحقيق هذا الأمر مما يجعله "ينحرف، ويتناول المسكرات أو الكحول أو كلاهما، لينسى فقره" وفق ما يرى.
واعتبر ناصر أن المدارس الحكومية عليها إشكاليات كبيرة، فهي "مكتظة والبنية التحتية ليست على ما يرام" معتبراً أنه "من الصعوبة القضاء على هذه الإشكالية بوقت قصير".
وشدد الخبير الاجتماعي ناصر على أهمية قيام الدوائر الرسمية في الأردن بدورها في فهم هذه المشاكل وإحداث تغيير في المجتمع و المدارس والجامعات، بحيث تستطيع استثمار طاقات الشباب "التي تكاد تنفجر وتتناثر هنا وهناك"، وفق تصوره.
يذكر أن الدراسة التي قام به مكتب الأمم المتحدة الخاص بالجريمة والمخدرات هي الأولى من نوعها بين طلبة المدارس، وكان هنالك دراسة مماثلة أجراها المكتب ذاته على 5064 طالبا جامعيا أردنيا في العام 2001، وكشفت عن انتشار تعاطي المهدئات والكحول واستنشاق المواد المخدرة، بالإضافة إلى استعمال منشطات قوية ومتوسطة بنسب متفاوتة بين الذكور والإناث.
على ذات الصعيد، أطلقت مؤسسة خيرية أردنية حملة تهدف إلى مواجهة العنف في المدارس الحكومية، إذ أعلنت مؤسسة نهر الأردن عن مبادرة تحمل اسم "السلامة المدرسية" لتقديم الرعاية لطلاب المدارس الذين يتعرضون للضرب من مدرسيهم أو من أقرانهم وتحويل المدارس إلى بيئة أكثر أمنا للتعليم والتعلم.
ميدل ايست اونلاين