تكرار استعمال الزيوت في عملية قلي الأسماك والأطعمة الأخرى أكثر من مرة قد يبدو هيناً بنظر الكثيرين غير أن هذا ليس صحيحاً لا سيما عندما ننظر إلى المشكلات الناتجة عنه.. حينها فقط تدرك أن مشكلة تكرار استعمال الزيوت في عملية قلي الأسماك والأطعمة الأخرى أكثر من مرة تبدأ بارتفاع دخانها الأبيض في السماء معلناً قدوم الخطر وظهور رائحة تزنخها غير المقبولة ورغوتها على جوانب المقلاة مروراً بتحولها إلى اللون الغامق والذي لا يجد صدى لدى مسؤولي الجهات المعنية وانتهاء بتسببها بالأضرار الكبيرة على المستهلك والبيئة.
يكشف لنا حارث علي - عامل سابق في أحد محال قلي وبيع الأسماك أسرار وخفايا الزيوت المستخدمة في قلي الأسماك - في محلات قلي وبيع الأسماك فهي تفتقر للنظافة ويتكرر استعمالها في قلي الأسماك أكثر من مرة فلو اطلعت عليها والقدور المخصصة لها لأخذت عهدا على نفسك بأن لا تأكل السمك المقلي في السوق أبدا, لقد عملت قرابة أربعة أعوام في مهنة قلي وبيع الأسماك وشاهدت خلالها العجب والعجائب ولم أستطع في تلك السنين أن أعمل الكثير لأنني كنت أصفق لوحدي والجهات المعنية مسحت من أجندتها هذه الزيوت وكانت تمضي الشهور ولا يزورك فيها مختص.
ويضيف علي: قرابة 50% من محلات قلي وبيع الأسماك تعمد إلى استعمال الزيوت في قلي الأسماك أكثر من مرة من أجل تحقيق مكاسب ربحية حتى ولو كانت على حساب صحة المستهلك كما أن الكثير من هذه الزيوت ذات صناعة رديئة وتفتقر لمواصفات الجودة والتعليمات الصحية.
وحدثنا هزاع الربيع عن الزيوت التي تستعمل في قلي الأسماك في بعض محال قلي وبيع الأسماك قائلاً: إنها مكشوفة ويتكرر استعمالها في قلي الأسماك على مدار الأسبوع واللحظة بالإضافة إلى تراكم الأوساخ والدماء والروائح فيها في ظل غياب الرقابة الصحية.
وأردف قائلاً: إننا لا نعارض أن تبيع محلات قلي وبيع الأسماك السمك المقلي ولكن يجب أن يتم ذلك في إطار الأمانة المهنية والنظافة ومراعاة صحة الناس وعدم تلويث البيئة.
حالة تسمم
ويؤكد حميد شرف حسن أنه لا يثق في الزيوت التي تستعمل في قلي الأسماك- في محلات قلي وبيع الأسماك والتي لا يعرف مصدرها ومدى سلامتها مما جعله يشتري السمك" ني" ويقليه في بيته حتى يكون مطمئنا في تناول السمك المقلي على سلامته وجودته.
وقال: لقد تعرضت إلى حالة تسمم بسبب تكرار استعمال الزيوت في قلي الأسماك وعلى إثرها تركنا شراء السمك المقلي من محلات قلي وبيع الأسماك لما تحمله من أمراض ولكن هذا الأمر يفرض علينا معرفة ما إذا كان بائع السمك يتعامل بشكل صحي وأمانة وعليه فنحن لا نشتري من بائع سمك لا نعرفه.
تجنب التلف
الدكتور شريف عبد الرزاق أخصائي طب أطفال يؤكد أن إعادة استعمال الزيوت في الطهي عدة مرات يضر بالمعدة والكبد والصفراء نتيجة لفقد الفيتامينات ولتكون مواد ضارة مما يقتضي استعمال الزيوت للقلي مرة واحدة وبين درجة حرارة 140-180 درجة مئوية من أجل المحافظة على طعمها وتجنب امتصاصها بكثرة وتصفيتها من أجل المحافظة عليها من التلف وتجنيب المستهلك أضرارها.
مركبات مسرطنة
ويحذر المهندس الزراعي بندر رفيق عبد الله- المتخصص في صناعة - الأغذية من تكرار استخدام الزيوت في عمليات القلي لما يترتب عليه من تكون مركبات مسرطنة وضارة بالجسم مشيراً إلى بعض العلامات والدلائل لمعرفة مدة صلاحية الزيت بعد الاستعمال والتي تتمثل بظهور رائحة الزنج المقبولة واللزوجة المصحوبة بالدخان والرغوة على جوانب المقلاة وتحوله إلى اللون الغامق.
فقدان الحمض الأميني
وأظهرت إحدى الدراسات العلمية أن تكرار استعمال الزيوت في قلي الأسماك والأطعمة الأخرى يؤدي إلى فقدانها نحو 25% من محتواها من الحمض الأميني ليسين"Lysine" الموجود في البروتين كما يؤدي طول تعريض الزيوت للحرارة والضوء الشديدين إلى حدوث تفاعلات أكسدة فيها وتغيرات في طعمها ونكهته وقد تتكون فيها مركبات ضارة بصحة المستهلك.
وأوضحت الدراسة أنه تم عزل ما يزيد عن 200 مركب طيار من زيوت مسخنة إلى 185 درجة مئوية أثناء القلي العميق في الزيوت حيث وجد أن زيادة مدة تسخين الزيت تزيد من تحلله وتختلف نواتج أكسدة الزيوت بالتسخين باختلاف نوع الزيت ودرجة الحرارة ومدة التسخين ووجود الهواء والمعادن كالنحاس والحديد ونسبة الرطوبة في الزيت كما أن إضافة زيوت جديدة إلى زيوت القلي المستعملة يؤدي إلى عدم الاستفادة التامة لهذا المزيج من الزيوت حيث أن زيت القلي المستعمل قد تلف بواسطة الأكسجين والحرارة والضوء مما غير من لونه وقوامه ورائحته وخواصه، وحذر العلماء من تكرار تسخين الزيت على درجات حرارة مرتفعة لأنها تسبب احتراق أجزاء من مكوناتها فتصبح ملوثات للزيوت الغذائية ولها تأثيرات مسرطنة.
مشكلة
يقول المهندس احمد البشة- نائب مدير عام الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة للشؤون الفنية:
يعمد بعض أصحاب محلات قلي وبيع الأسماك والمطاعم والفنادق إلى استعمال الزيوت في قلي الأسماك و الأطعمة الأخرى أكثر من مرة في أجواء غير صحية وملوثة وبواسطة أيد متسخة وغير نظيفة وبأسلوب سيء لا يلتزم بالشروط الصحية ومواصفات الجودة حيث يقومون بإضافة زيوت جديدة إلى الزيوت المستعملة في الطهي.
والاحتفاظ بها لعدة أيام وغليها أكثر من مرة وبدرجة حرارة عالية تعمل على تصاعد دخانها الأبيض والذي يدل على أكسدتها وتزنخها وفسادها مما يجعلها تسبب الضرر للمستهلك والبيئة، مشيراً إلى وجود لائحة اشتراطات صحية معتمدة من قبل مجلس الوزراء والتي تحدد الشروط الصحية الخاصة باستعمال الزيوت في عملية القلي والطهي والتي ينقصها التفعيل من أجل الحد من المشكلة.
ويضيف البشة: نقوم بطرح مشكلة تكرار استعمال الزيوت في عملية قلي السمك والمواد الغذائية الأخرى من خلال الفعاليات والورش والندوات التوعوية وعبر وسائل الإعلام المختلفة من أجل توعية المواطنين بمفاهيم استعمال الزيوت في عملية القلي والطهي ومواصفاتها وتجنب أضرارها الصحية والبيئية.
ويؤكد المهندس أحمد أن الكثير من الزيوت المستعملة في عملية قلي السمك والمواد الغذائية الأخرى رديئة الصنع وملوثة وأوانيها غير نظيفة وعمالها يفتقرون لأساليب القلاية بالزيت مما يفاقم المشكلة ويقتضي تحرك الجهات المعنية للحد من المشكلة بواسطة تكثيف العملية الرقابية والتفتيشية وإغلاق المحلات المخالفة.
شكاوى
ويؤكد المهندس صالح غيلان- رئيس الدائرة الفنية بجمعية حماية المستهلك - على تغير صفات الزيوت المستعملة في عملية قلي الأسماك والأطعمة الأخرى كيميائياً وزيادة لزوجتها وتحولها إلى اللون البني والأسود مما يجعلها تشعر المستهلك بالغثيان والصداع والقيء وتسبب له أمراضاً عضوية وأوراماً سرطانية كما أن الكثير من محلات قلي الأسماك والمواد الغذائية الأخرى تلجأ إلى استعمال الزيوت في عملية القلي والطهي أكثر من مرة من أجل تحقيقها للربح السريع حتى ولو كان على حساب صحة المستهلك.
ويضيف غيلان: وصلتنا العديد من الشكاوى بشأن إعادة استعمال الزيوت في عملية قلي الأسماك والأطعمة الأخرى من قبل المواطنين وقمنا على ضوئها بالنزول الميداني والتأكد من أماكن الشكاوى ومن ثم مطالبة الجهات المعنية بسحبها ومصادرتها وإغلاق المحلات المخالفة وقمنا بتوعية المستهلك من خلال برامج التثقيف الاستهلاكي بإرشادات استعمال الزيوت في عملية القلي والطهي وتعريفه على علامات فساد الزيوت كتغير رائحتها ولونها إلى اللون البني والأسود وزيادة لزوجتها وطرق حفظها، ونسقنا مع الجهات المعنية من أجل الحد من مشكلة تكرار استعمال الزيوت في عملية القلي والطهي وحماية المستهلك من أضرارها ومخاطرها الكثيرة وواجهنا صعوبات تمثلت بعدم قناعة أصحاب محلات قلي الأسماك والأطعمة الأخرى باستعمال الزيوت لمرة واحدة وعدم تجاوب المستهلك معنا بشأن تجنب الأطعمة المقلية بواسطة الزيوت المكررة الاستعمال وتدني مستوى الثقافة الصحية لدى المستهلك وضعف الرقابة والتفتيش من قبل الجهات المعنية.
ويعتقد المهندس صالح أن أسباب لجوء أصحاب محلات قلي الأسماك والأطعمة الأخرى إلى إعادة استعمال الزيوت في عملية القلي والطهي ترجع إلى غياب الرقابة من قبل الجهات المعنية وجهل المستهلك بأضرار هذه الزيوت وارتفاع أسعار الزيوت.
ويرى غيلان في بعض المعالجات حلاً للمشكلة والتي تتمثل بسرعة التخلص من الزيوت بعد القلي واستخدام الزيوت لقلي صنف غذائي واحد فقط وعدم إضافة الزيوت الجديدة على الزيوت المستعملة في القلي والطهي وعدم استعمال الزيوت أكثر من مرة من أجل سلامة المستهلك.