أجمع الصحابة رضي الله تعالى عنهم والأمة على أن الشورى لا تكون إلا في دائرة المباح أو العفو، يعني: أنه لا يصلح أن نتشاور ونناقش في شيء منصوص عليه، لكن الشورى تكون في الأشياء المباحة، أو الأشياء المعفو عنها، ففي البخاري : كانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها، فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ورأى أبو بكر قتال من منع الزكاة فقال عمر : كيف تقاتل وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله الله، فإذا قالوا: (لا إله إلا الله) عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله) فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تابعه عمر، فلم يلتفت أبو بكر إلى مشورة عمر إذ كان عنده حكم رسول الله في نص، في الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة، وأرادوا تبديل الدين وأحكامه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن بدل دينه فاقتلوه) وكان القراء أصحاب مشورة عمر كهولاً كانوا أو شباناً، وكان وقافاً عند كتاب الله عز وجل. فالشورى تكون في دائرة المباح والعفو، أما ما قطعت فيه النصوص فليس لأحد أن يتقدم عنه أو يتأخر، ولهذا لما ترجح لدى أبي بكر أن النص ظاهر في وجوب قتال مانعي الزكاة لم يلتفت إلى مشورة عمر ولا غيره، وهذا كله يدل على أن السيادة للشرع لا لغيره.